السمـآءُ قريـبْة ..!



..}


... آووه سحقاً للمرآة لما تجعلنيْ هكذا ..!
بشرة شاحبة تماما كوريقات الخريف وعيون غائرة في جوف هالة سوداء حالكة الظلمة
..أبدو كفتاة اجتثت من قاع صفصفا لبثت به دهورا , بل لآ أظنني فتاة إذ كأني شيء من لوحة بيكاسوية لرسم متكعب  لون بدرجات رمادية
آمم أخطأ بيكاسو كثيرا كان من الأجمل أن يخفف حدة العيون الغائرة والحلكة السوداوية حولها .. والفاه ليكن ممتلئا أنوثة و الرداءات اغتاظت رثاثة  لو هذبها نزرا يسيرا .. 
آووه ليس ثمة رسامُ فذ , ليصير منيْ  لوحة  تدمي العالمين حد البؤس الذي  يسكنني حدًّ أن يقرؤوا ملامحيْ بلغة الوجع الضافية على منطقيْ
بل  لو جعل مني لوحتين لوحة قبل عامٍ من الآن  ولوحته هذه ..!
لتحديتُ أحدا من العالمين على أن يأتي بعشرة أوجه تشابهية  بين اللوحتين لكان من الخاسرين ..!
بل لو ابتغى فذاذة  فيْ الرسمْ  ملء الأرض لجعل من ذلك الخريف المنصرمْ خريف –الخالدية- وكم أحبه ..!
لكن بعد أن كان تأريخاُ لرحلة أهليْ حيث السماء ..صارْ سُقماً علقمياً حنظلياً أتوجعه كل آن ..! وأسديْ تأوهاته عبر الأثيرْ كل سهادْ .. لم تكن رحلةُ أهليْ للسماء بشكلٍ رتيبْ أو متوقع ..
كانت شيئا وحشياً لن تصدقه عقول البشرية إلا ضرباً من خيالْ , التأريخ وحده الذي  يؤمنُ بها واقعاً
كانت شيئا دموياً حد فيضانْ زقاق – الخالديةٍ- منه , حد أن أوعك أنا بالجنونْ ..! وأنا التي رأيتهم بعد زفرة الموت هادئين ..فكيف بأميّ أ احتملت سكينهم أم جُنت قبل أن ترحلْ ..؟ قلبيْ وإياها ..! وأبتاه ضرغامُ أيقنتُ بتصبرهْ .... وصغيرتيْ ميسمْ  تنبئنيْ عيناها والشظية المخترقة لوسطها أن رحلتها كانت فيْ سكون تامْ ..إذ وثبت عليها رصاصة السكيرْ الوغدْ وهي في سباتٍ وربما حلمُ من الجنة ..... إلى الفردوسْ ..!
يا ثلة  من نعيم يآ أمي يا أبيْ يا ميسميّ  ما اسطعت  خط حرفٍ واحدْ مضرجاً بدمائكم  أو واصفا للحظات التيْ كُنتُ فيها مختبئة في دولابْ  الحجرة الخلفية بعيدا عن أبصارهمْ والذعرُ يقطنني حتى أخمص قدمايْ والإغماءات تتوالى عليّ
أجرُ أنفاسي جراً  لاهثاُ ثم أكتمها أخشى أن يعلم أحدُ بيْ , ثمً أزفرْ وأشهقْ ثمً أحبسْ ثم لا أدري..... والجلابيب في خضمٍ تيكم الأدراج لرعشتيْ  ترثيْ ...؟ آه آه آه آه رعدُ البندقية وزمجرة الوغد وقهقهة الآخرْ وصرخة أميْ و استغاثة أبيْ وربما خُيل إليّ صرصرة السكين تحدُ علىَ شيء صلبْ أظنه الجدارْ لا رقبة أميْ لا أبي آه ه ه ه  ذاك موتُ بطيء أردانيْ صريعة في أرض الجنونْ ْ ..!
حتىَ  حرفاُ أو نصف حرف مصوراً جسد أمي الزاكيْ  والدماء تحوطه من كل جانب وأثر السكين يعتلج في رقبتها كأخدود أضرمت ناره دماً , عميق بعمق إنغراس  يدأي فيه احاول  سده حتى لا تنتهي دماؤها فتموت أظن ذلك واليقين أن روحها في السماء مُذ وثبة السكين ,  جُننتُ إذ أحدثُها ولا تردْ أحوطها بذراعي ولا تحوطنيْ , فأغرقُ محيايً في دمها ثم أنهض ودمها من أهدابيْ ينسلْ ....و أبيْ فقومي غادروه عنيّ ...لأنيْ جُننت ..! ناولونيْ إياه أقبلهُ من خلف  سجوفْ أكفانه
عجزت يا أمي يا أبي  نقش فقدكمْ بحرفيْ لعل التاريخ ينقشه ولو كان بأسلوبه السرديْ ...!ّ~
..ولن أكلف الناس أكثرْ مما يطيقونْ ...! فالرسام الفذ و بيكاسو أيضاً كمثليْ تماماً لن تقدر ريشتهم  ستبتل دماً وتلطخ اللوحة كلها بالدمْ ...هل ذلك يبدو جميلاً ..؟  أبداُ ولن يبتاع أحدُ اللوحة وإن كانت بليرة  واحدة ..!
عدتُ للمرآة ...أتبصر ملامحيْ التي تبدو غريبة عنيْ منذ الخريف المنصرم وأنا معها في غربة ..! رفعت المرآة قبالة وجهيْ .. الملامح مموهة  و الغبشُ  الذي صنعه  دمعي المفرطْ  منتثراً في جلٍ نواحيها معلناً  انعدام الرؤية ...
أووه  رميتُ بالمرآة جانباً , فلن ينفعني بيكاسو ولا أي يدٍ في العالمين تنشلنيْ من  نهر دمع لا ينضبُ أبداً ومن ذكرى تقتلعُ عقليْ صوب الجنون  ومن أشياءٍ من هولها ما عاد لها مدكرْ ..؟
و لست أهتم لأي شيء ولآ لأي أحد إلا أن
من في السماء وأسبحه يحمده - أمطرني بأمٍ جديدة  كانت لي غوثاُ ’  ولأجلها رسمت كُحلاُ وخططت ابتسام على ورقة البؤس  داوت سقمي وصافحت جنونيْ كثيرا
قالت لي يوما  -كانت سمائه صافية  بالدرجة التي يُرقب الشيء من ورائهاوأنا وإياها نتوسد تربً أرضنا الجديدة
بعد هجر تربةٍ ( حمص ) : بأننا ننتظرُ شيئاً من السماء ..!
فالتفتُ إليها مستعجبة ! فاسترسلت : وكم تبدو السماء قريبة ..؟!
..}انتهت






*  هذه الحكاية نزرُ من نزفْ الشآمْ إبان ثورة الأحرار
عام 1433-1432هـ



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عاد بي، للذي ما عاد لي …

العشم .

تدوينة الميلاد، و العام ….